فصل: باب ما جاء في الحياء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب جامع ما جاء في أهل القدر

ليس في هذا الباب حديث في القدر إلا وقد مضى الكلام في معناه والحمد لله‏.‏

1663- مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح فإنما لها ما قدر لها وفي هذا الحديث دليل على كراهية اشتراط المرأة على زوجها أن يعقد لها على نفسه أن كل من ينكحها عليه طالق‏.‏

وأما سؤالها طلاق من جمعها معها عصبة رجل واحد فنص لا دليل وفيه إثبات القدر والإقرار بعدم العلم بقوله صلى الله عليه وسلم فإنما لها ما قدر لها وهذا نحو قوله تعالى ‏(‏قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولنا‏)‏ ‏[‏التوبة 51‏]‏‏.‏ وذكر الصحفة في هذا الحديث كناية عن خير الزوج لتنفرد به وحدها‏.‏

1664- مالك عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال قال معاوية بن أبي سفيان وهو على المنبر أيها الناس إنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع الله ولا ينفع ذا الجد منه الجد من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ثم قال معاوية سمعت هؤلاء الكلمات من رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الأعواد قال أبو عمر هذا حديث صحيح وإن كان ظاهره من رواية مالك في الموطأ الانقطاع فقد روي عن مالك من سماع محمد بن كعب القرظي له من معاوية وروي من غير طريق مالك أيضا وقد ذكرنا من محمد بن كعب وطرفا من فضائله من طرق في التمهيد وظاهر حديث مالك هذا أن معاوية سمع الحديث كله من النبي صلى الله عليه وسلم وروى أهل العراق من الطرق الصحاح أن معاوية كتب إلى المغيرة بن شعبة أن اكتب إلي بشيء حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يسلم من الصلاة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد إلى هنا انتهى حديث المغيرة بن شعبة وقد ذكرنا كثيرا من طرقه في التمهيد وليس في شيء منها من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين فدل ذلك أن معاوية لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم إلا قوله من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين فهذه الكلمات هي التي سمعها معاوية من النبي صلى الله عليه وسلم على أعواد منبره لا ما قبل هذه الكلمات من حديثه في هذا الباب والله أعلم‏.‏

وأما قوله ولا ينفع ذا الجد منه الجد فالرواية عندنا في الموطأ الجد بفتح الجيم وهو الأغلب عند أهل الحديث وهو الذي فسر أبو عبيد وغيره فإنه الحظ وهو الذي تسميه العامة البخت قال أبو عبيد معناه لا ينفع ذا الغنى عندك غناه وإنما ينفعه العمل بطاعتك واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم قمت على باب الجنة فإذا عامة من يدخلها الفقراء وإذا أصحاب الجد محبوسون يعني أصحاب الغنى وقد روي هذا الحديث بكسر الجيم وقد كان عبد الملك بن حبيب يقول لا يجوز فيه إلا الكسر وهو الاجتهاد قال والمعنى فيه أنه لا ينفع أحدا في طلب الرزق اجتهاده وإنما له ما قسم الله له منه وليس الرزق على قدر الاجتهاد ولكن الله يعطي من يشاء ويمنع لا إله إلا هو الحليم الكريم قال أبو عمر هذا أيضا وجه حسن محتمل غير مرفوع والله أعلم بما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ذلك‏.‏

1665- مالك أنه بلغه أنه كان يقال الحمد لله الذي خلق كل شيء كما ينبغي الذي لا يعجل شيء أناه وقدره حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا ليس وراء الله مرمى هكذا رواية يحيى وطائفة من رواة الموطأ يعجل شيء أناه وقدره كأنه يقول الحمد لله الذي قضى بأن لا يتقدم شيء وقته وحينه الذي قدر فيه أو قدر له وآناء الشيء وقته وحينه بدليل قول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏غير نظرين إنه‏)‏ ‏[‏الأحزاب 53‏]‏‏.‏

أي وقته وحينه ورواه القعنبي الذي لا يعجل بشيء أناه وقدره وروته طائفة معه هكذا والمعنى فيه أن الله لا يعجل ما قضى بتأخيره ولا يؤخر ما قضي بتعجيله وكل على ما سبق في علمه والأناء والأناة في اللغة التأخير قال الشاعر‏:‏

وأنيت العشاء إلى سهيل *** أو الشعرى فطال بنا الأناء

المعنى أنه لا يجري كل شيء إلا على ما قد سبق في علمه لا يتقدم شيء ولا يتأخر عن وقته الذي سبق القضاء به وقد اختلف العلماء في قول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏يمحوا الله ما يشاء ويثبت‏)‏ ‏[‏الرعد 39‏]‏‏.‏

اختلافا كثيرا ليس هذا موضع ذكره للخروج بذلك عما قصدنا له حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن مسعر عن علقمة بن مرثد عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن المعرور بن سويد عن عبد الله بن مسعود قال قالت أم حبيبة اللهم أمتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية فقال النبي صلى الله عليه وسلم سألت الله ‏(‏عز وجل‏)‏ لآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة ولو سألت الله أن يعيذك من عذاب القبر أو عذاب النار كان خيرا لك أخبرنا عبد الوارث بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثني علي بن محمد بن أحمد بن لؤلؤ البغدادي قال حدثني أبو عمر سهل بن موسى قال قال حدثني أحمد بن عبدة قال حدثني أبو توبة نعيم بن مورع بن توبة العنبري قال أخبرني محمد بن سلمة المخزومي عن أبيه عن جده عن عبد الرحمن بن عوف قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا عبد الرحمن ألا أعلمك عوذة كان إبراهيم يعوذ بها بنيه إسماعيل وإسحاق وأنا أعوذ بها الحسن والحسين قال قلت بلى يا رسول الله ‏!‏ قال كفى بسمع الله داعيا لمن دعاه لا مرمى وراء الله لرام فرمى‏.‏

1666- مالك أنه بلغه أنه كان يقال إن أحدا لن يموت حتى يستكمل رزقه فأجملوا في الطلب هذا حديث مسند معروف عند أهل العلم فمن طرقه ما حدثني قاسم بن محمد قال حدثني خالد بن سعد قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني عبيد بن عبد الرحمن بدمياط قال حدثني أبي قال حدثني عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحدكم لن يموت حتى يستوفي رزقه فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم وقد ذكرناه من وجوه في التمهيد بألفاظ مختلفة ومعنى واحد وأخذه أبو العتاهية - رحمه الله - فقال‏:‏

أقلب طرفي مرة بعد مرة *** لأعلم ما في الناس والقلب ينقلب

‏(‏فلم أر عزا كالقنوع لأهله‏.‏‏.‏‏.‏ وأن يجمل الإنسان ما عاش في الطلب‏.‏

كتاب حسن الخلق

باب ما جاء في حسن الخلق

1667- مالك أن معاذ بن جبل قال آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت رجلي في الغرز أن قال أحسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل هكذا رواية يحيى عن مالك أن معاذ بن جبل ورواه غير مالك أنه بلغه أن معاذ بن جبل وروته طائفة من رواة الموطأ عن مالك عن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل وقد ذكرنا في التمهيد من روى كل رواية منها ولا يؤخذ هذا الحديث بهذا اللفظ مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما المحفوظ أن رسول الله لما بعث معاذا إلى اليمن قال له يا معاذ اتق الله وخالق الناس بخلق حسن وقد روي عن معاذ أنه قال آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال لا يزال لسانك رطبا بذكر الله ‏(‏عز وجل‏)‏ وفي حديث آخر عن معاذ بن جبل أن آخر ما فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله أي شيء أنجا لابن آدم من عذاب الله قال أن يموت ولسانه رطب من ذكر الله ‏(‏عز وجل وقد ذكرنا هذه الأحاديث كلها بأسانيدها في التمهيد‏.‏

1668- مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي أنها قالت ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها قال أبو عمر دين الله يسر والحنيفية سمحة وقال الله عز وجل ‏(‏يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر‏)‏ ‏[‏البقرة 185‏]‏‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة‏.‏

وأما أخلاقه صلى الله عليه وسلم فلا يحصى الحسن منها كثرة ولو أفرد لها كتاب لقصر عنها ويكفي من ذلك قول الله عز وجل ‏(‏وإنك لعلى خلق عظيم‏)‏ ‏[‏القلم 4‏]‏‏.‏

وقوله تعالى ‏(‏ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجهلين‏)‏ ‏[‏الأعراف 199‏]‏‏.‏

وهذا الحديث قد رواه الفضيل بن عياض عن منصور عن الزهري بألفاظ أتم من ألفاظ مالك - رحمه الله حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني الفضيل بن عياش عن منصور بن المعتمر عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظلمة ظلمها قط ما لم ينتهك من محارم الله شيء فإذا انتهك من محارم الله شيء كان أشدهم في ذلك غضبا وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما‏.‏

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني يزيد بن زريع قال حدثني معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في في سبيل الله ولا ضرب خادما ولا امرأة قط ولا خير في أمرين إلا كان أيسرهما أحب إليه ما لم يكن الإثم فإذا كان إثما كان أبعدهم منه وما انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن ينتهك من حرمات الله فيكون ينتقم لله وهذا الحديث يدل ويندب الأمراء وسائر الحكام والعلماء إلا أنه ينبغي لكل واحد منهم أن يتجافى عن الانتقام لنفسه تأسيا بنبيه صلى الله عليه وسلم ولا ينسى الفضل والأخذ به في العفو عن من ظلمه وقد أجمع العلماء على أن القاضي لا يقضي لنفسه وأجمع الجمهور من الفقهاء أن القاضي لا يقضي لمن لا تجوز له شهادته من بنيه وآبائه وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن الأخذ برخصة الله أولى لذوي العلم والحجا من الأخذ بالشدة فإن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن ينتهى عن محارمه وتجتنب عزائمه‏.‏

وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثني سعيد بن أحمد بن عبد ربه وأحمد بن مطرف قالا حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثني يونس بن عبد الأعلى قال حدثني سفيان بن عيينة عن معمر قال إنما العلم أن تسمع بالرخصة من ثقة‏.‏ وأما التشديد فيحسنه كل أحد‏.‏

1669- مالك عن بن شهاب عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه هكذا رواه يحيى بن شهاب في الموطأ عن علي بن حسين وتابعه زياد بن سعد وقد ذكرنا في التمهيد رواية من روى هذا الحديث عن مالك عن بن شهاب عن علي بن حسين عن أبيه وهو أيضا مع ذلك مرسل وذكرنا اختلاف أصحاب بن شهاب فيه عن بن شهاب وأحسن ذلك رواية الأوزاعي عن قرة بن حيوئيل عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في التمهيد وقوله صلى الله عليه وسلم من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه من كلام النبوة وحكمتها وهو جامع لمعان جمة من الخير وفي صحف إبراهيم عليه السلام من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه وقيل للقمان الحكيم ألست عبد بني الحسحاس قال بلى قالوا فما بلغ بك ما نرى قال صدق الحديث وأداء الأمانة وتركي ما لا يعنيني وروى بن وهب قال حدثني سحبل بن محمد الأسلمي قال سمعت محمد بن عجلان إنما الكلام أربعة أن تذكر الله أو تقرأ القرآن أو تسل عن علم فتخبر به أو تتكلم في ما يعنيك من أمر دنياك‏.‏

1670- مالك أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة وأنا معه في البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس بن العشيرة ثم أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة فلم أنشب أن سمعت ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم معه فلما خرج الرجل قلت يارسول الله قلت فيه ما قلت ثم لم تنشب أن ضحكت معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره قال أبو عمر هذا الحديث عند طائفة من رواة الموطأ عن مالك عن يحيى بن سعيد أن بلغه عن عائشة ورواه جماعة كما رواه يحيى وقد روي عن عائشة من وجوه صحاح كلها مسندة منها حديث مجاهد عن عائشة وحديث عبد الله بن دينار عن عروة عن عائشة وحديث بن المنكدر عن عروة عن عائشة وأحسنها عندي حديث بن المنكدر عن عروة عن عائشة حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أبو بكر عبد الله بن محمد بن الخصيب القاضي قال حدثني جعفر بن محمد الفريابي قال حدثني علي بن عبد الله المديني قال حدثني سفيان بن عيينة قال سمعت محمد بن المنكدر يقول حدثني عروة بن الزبير أنه سمع عائشة تقول استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائذنوا له فبئس بن العشيرة أو بئس أخو العشيرة فلما دخل ألان له القول فلما خرج قلت يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له القول ‏!‏ فقال يا عائشة إن من شر الناس منزلة عند الله - عز وجل - يوم القيامة من ودعه الناس اتقاء فحشه قال بن المنكدر لا أدري أقال تركه الناس أو قال ودعه الناس قال سفيان فعجبت من حفظ بن المنكدر قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد أيضا حديث علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شرار الناس عند الله الذين يكرمون اتقاء شرهم‏)‏ وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شرار الناس الذين يتقون بغير سلطان بأسانيدهما‏.‏

وأخبرنا أحمد بن قاسم ويعيش بن سعيد ومحمد بن حكم قالوا حدثني محمد بن معاوية قال حدثني أبو خليفة الفضل بن الحباب قال حدثني القعنبي عبد الله بن مسلمة قال حدثني عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خير الناس من يرجى خيره ويؤمن شره وشر الناس من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره‏.‏

1671- مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن كعب الأحبار أنه قال إذا أحببتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه فانظروا ماذا يتبعه من حسن الثناء قال أبو عمر يعني بعد موته والله أعلم حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن شاذان قال حدثني معاوية بن عمرو قال حدثني زائدة قال حدثني حميدة عن أنس قال مر بجنازة فقيل لها خير فتتابعت الألسن بالخير فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت قال ومر بجنازة فقيل لها شر وتتابعت الألسن بالشر فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت أنتم شهداء الله في الأرض‏.‏

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن محمد قال حدثني أبو معمر قال حدثني عبد الوارث قال حدثني عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فذكر معنى ما تقدم وزاد من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار قال أبو عمر كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏رضي الله عنهم‏)‏ لا يثنون على أحد إلا بالصدق ولا يمدحون إلا بالحق لا لشيء من أعراض الدنيا شهوة أو عصبية أو تقية ومن كان ثناؤه هكذا يصح فيه هذا الحديث وما كان مثله والله أعلم‏.‏

1672- مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال بلغني أن المرء ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل الظامىء بالهواجر وهذا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا حدثني أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني أبو النضر قال حدثني الليث بن سعد عن يزيد بن عبد الله عن أبي أسامة عن عمرو مولى المطلب عن المطلب أن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني جعفر بن محمد الصائغ قال حدثني عفان قال حدثني حماد بن سلمة عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أكملكم إيمانا أحسانكم أخلاقا إذا فقهوا حدثني خلف بن القاسم قال حدثني الحسن بن رشيق قال حدثني إسحاق بن إبراهيم بن يونس قال حدثني عمرو بن عثمان الحمصي قال حدثني اليمان بن عدي عن زهير عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل ليدرك بحسن الخلق درجة الساهر بالليل الظامئ بالهواجر‏.‏

وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن محمد قال حدثني أحمد بن داود قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو مولى المطلب عن المطلب عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم وذكرت في التمهيد في باب يحيى بن سعيد أحاديث في هذا المعنى حسانا كلها في حسن الخلق أيضا حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أثقل شيء في الميزان خلق حسن وقد ذكرته أيضا في التمهيد‏.‏

1673- مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت سعيد بن المسيب يقول ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة قالوا بلى قال إصلاح ذات البين وإياكم والبغضة فإنها هي الحالقة وهذا الحديث قد روي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق حسان قد ذكرتها في التمهيد منها ما حدثنا سلمة بن سعيد قال حدثني علي بن عمر قال حدثني محمد بن القاسم قال حدثني أبو كريب قال حدثني حسين بن علي الجعفي عن بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصيام والصدقة إصلاح ذات البين وإياكم والبغضة فإنها الحالقة قال أبو الدرداء أما إني لا أقول حالقة الشعر ولكنها حالقة الدين‏.‏

1674- مالك أنه قد بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعثت لأتمم حسن الأخلاق وهذا حديث مسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثناه سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري قال حدثني عبد العزيز بن محمد عن بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق وقد ذكرته في التمهيد من حديث معاذ بن جبل وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر كذا ورد عنه صلى الله عليه وسلم‏.‏

باب ما جاء في الحياء

1675- مالك عن سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقي عن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه إلى النبي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء هكذا قال يحيى في هذا الحديث زيد بن طلحة وقال القعنبي وبن القاسم وبن بكير يزيد بن طلحة وهو الصواب وكذلك رواه وكيع وغيره عن مالك قالوا فيه يزيد إلا أن وكيعا قال في هذا الحديث يزيد بن طلحة عن أبيه وأنكره بن معين وغيره عليه لأنه ليس في الموطأ عن أبيه وقد روي عن وكيع أيضا كما في الموطأ وقد ذكرنا شواهد ما قلناه في التمهيد وهو يزيد بن طلحة بن ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف قرشي مطلبي وهذا الحديث مسند من وجوه قد ذكرتها في التمهيد منها ما حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أبو بكر محمد بن الحسن بن صالح السبيعي الحلبي بدمشق قال حدثنا أبو عمر عبد الله بن محمد بن يحيى الأودي قال حدثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني عن معن بن الوليد عن ثور بن زيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء من لا حياء له لا دين له وبإسناده عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم زينوا الإسلام بخصلتين قلنا وما هما قال الحياء والسماحة في الله لا في غيره‏.‏

1676- مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فإن الحياء من الأيمان هكذا هذا الحديث عند جماعة رواة مالك في الموطأ وغيره لم يزيدوا شيئا في لفظه ولا اختلفوا في إسناده وأخطأ في إسناده جويرية عن مالك بما قد ذكرناه في كتاب التمهيد وكذلك رواه بن عيينة وغيره عن بن شهاب كما في الموطأ وقد زاد فيه عبد العزيز بن أبي سلمة وغيره ألفاظا حسانا حدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا علي بن فارس بن شجاع البغدادي أبو العباس بمصر قال حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح قال حدثنا بشر بن الوليد الكندي قال حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن الزهري عن سالم عن بن عمر قال سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يعاتب أخاه في الحياء يقول إنك تستحي حتى إنه قد أضر بك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فإن الحياء من الإيمان ومعنى هذا الحديث والله أعلم أن الحياء لما كان يمنع من كثير من الفحش والفواحش ويحمل على كثير من أعمال البر والخير صار كالأيمان مضارعا لأنه يساويه في بعض معانيه لأن الأيمان شأنه منع صاحبه من كل ما حرم عليه إذا صاحبه التوفيق فهو مقيد بالإيمان يردعه عن الكذب والفجور والآثام كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن والفتك القتل بعد الأمان والغدر بعد التأمين فلما كان الحياء والإيمان سببين إلى فعل الخير جعل الحياء شعبة من الأيمان لأنه يمنع مثل الإيمان من ارتكاب ما لا يحل وما يعد من الفحش والفواحش وإن كان الحياء غريزة والإيمان فعل المؤمن الموفق له وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان رواه عبد الله بن دينار وسهيل بن أبي صالح جميعا عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا طرق أسانيدها في التمهيد وللإيمان أصول وفروع فمن أصوله الإقرار باللسان مع اعتقاد القلب بما نطق به اللسان من الشهادة بأن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن كل ما جاء به عن ربه حق من البعث بعد الموت والإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله وكل ما أحكمه الله في كتابه ونقلته الكافة عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر الفرائض بعد هذا فكل عمل صالح فهو من فروع الإيمان فبر الوالدين من الإيمان وأداء الأمانة من الإيمان وحسن العهد من الإيمان وحسن الجوار من الإيمان وتوقير الكبير من الأيمان ورحمة الصغير حتى إطعام الطعام وإفشاء السلام من الإيمان فهذه الفروع من ترك شيئا منها لم يكن ناقص الإيمان بتركها كما يكون ناقص الإيمان بارتكاب الكبائر وترك عمل الفرائض وإن كان مقرى بها وتلخيص هذا يطول ولا سبيل إلى إيراده في هذا الموضع وقد ذكرنا من ذلك في التمهيد ما فيه شفاء والحمد لله كثيرا وهذا كله يدل على أن الإيمان قول وعمل كما قال جمهور أهل العلم بالفقه والحديث وقد ذكرنا لهم ولسائر فرق الإسلام من التنازع في معنى الإيمان والإسلام أيضا وما نزعت به كل فرقة في ما ذهبت إليه من ذلك وفي باب بن شهاب عن سالم من كتاب التمهيد وذكرنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الآثار المرفوعة في معنى الإيمان عن السلف أيضا ما وصل إلينا من ذلك في الباب المذكور في التمهيد والحمد لله حدثني أحمد بن فتح قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال حدثني أحمد بن خالد قال حدثني عبيد الكشوري بصنعاء قال حدثني سلمة بن شبيب - قال أحمد بن خالد‏.‏

وحدثنا عيسى بن محمد الكشوري قال حدثني محمد بن يزيد قالا سمعنا عبد الرزاق يقول سمعت من أدركت من شيوخنا وأصحابنا سفيان الثوري ومعمر بن راشد ومالك بن أنس وبن جريج وسفيان بن عيينة وعبيد الله بن عمر والأوزاعي يقولون الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فقلنا لعبد الرزاق فما تقول أنت قال أقول كما قالوا وإن لم أقل ذلك فقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين قال عبد الرزاق وكان معمر ومالك وبن جريج وسفيان الثوري يكرهون أن يقولوا أنا مستكمل الإيمان على إيمان جبريل وميكائيل وقد ذكرنا في التمهيد حديث مبارك بن حسان قال قلت لعطاء بن أبي رباح إن في المسجد عمر بن ذر ومسلم التحات وسالم الأفطس يقولون من زنى وسرق وشرب الخمر وقذف المحصنات وأكل الربا وعمل المعاصي أنه مؤمن كإيمان البر التقي الذي لم يعص الله فقال عطاء أبلغهم ما حدثني أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتل القاتل حين يقتل وهو مؤمن ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن قال فذكرت ذلك لسالم الأفطس وأصحابه فقالوا وأين حديث أبي الدرداء وإن زنى وإن سرق فذكرت ذلك لعطاء فقال كان هذا ثم نزلت الأحكام والحدود بعد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إيمان لمن لا أمانة له وقال لا يفتك مؤمن قال أبو عمر حديث أبي الدرداء حديث حسن روي عنه من وجوه منها ما قرأته على أبي عثمان سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني الحسن بن موسى الأشيب قال حدثني حماد بن سلمة عن الجريري عن محمد بن سعد بن مالك أن أبا الدرداء كان إذا قرأ هذه الآية ‏(‏ ولمن خاف مقام ربه جنتان‏)‏ ‏[‏الرحمن 46‏]‏‏.‏

قال وإن زنى وإن سرق وقال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قال قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قال قلت وإن زنى وإن سرق قال نعم وإن رغم أنف أبي الدرداء قال حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثني جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب قال سأل هشام بن عبد الملك الزهري قال حدثني بحديث النبي صلى الله عليه وسلم من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وإن زنى وإن سرق فقال الزهري أين يذهب بك يا أمير المؤمنين كان هذا قبل الأمر والنهي قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد حديث أبي بكرة وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الحياء من الإيمان كحديث بن عمر وقد ذكرنا حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحياء خير كله‏.‏

وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني أحمد بن زكريا بن يحيى بن يعقوب المقدسي ببيت المقدس قال حدثني محمد بن حماد الطهراني قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان الحياء في شيء قط إلا زانه ولا كان الفحش في شيء قط إلا شانه‏.‏

وأخبرنا أحمد بن محمد قال أخبرنا أحمد بن الفضل قال حدثني الحسن بن علي العدوي قال حدثني خراش قال حدثني أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما ينزع الله من العبد الحياء فيصير ممقوتا ثم ينزع الله منه الأمانة فيصير خائنا مخونا ثم ينزع منه الرحمة فيصير فظا غليظا ويخلع ربقة الإسلام من عنقه فيصير شيطانا لعينا قال أبو عمر هذا إسناد ضعيف وخراش هذا مجهول والحديث بهذا اللفظ لا يعرف إلا من هذا الوجه والقطعة التي بهذا الإسناد كلها لا يشتغل أهل العلم بها منكرة عندهم موضعة والله أعلم وقد روي هذا الحديث من قول سلمان الفارسي من رواية زاذان عنه قال إذا أراد الله بعبد شرا أو هلكة نزع منه الحياء فلم تلقه إلا مقيتا ممقتا وإذا كان كذلك نزعت منه الرحمة فلم تلقه إلا فظا غليظا فإذا كان كذلك نزعت منه الأمانة فلم تلقه إلا خائنا مخونا فإذا كان كذلك نزعت ربقة الإسلام من عنقه فكان لعينا ملعونا‏.‏

باب ما جاء في الغضب

1677- مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن رجلا أتى إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تغضب هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته ومن رواه عن مالك عن بن شهاب عن حميد عن أبي هريرة أو عن حميد عن أبيه فقد أخطأ وقد ذكرنا من روى ذلك في التمهيد ورواه بن عيينة عن بن شهاب عن حميد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي هذا الحديث من غير رواية بن شهاب مسندا من حديث أبي هريرة ومن حديث بن عم الأحنف بن قيس ومن حديث أبي سعيد الخدري وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناها في التمهيد ومعنى هذا الحديث عندي والله أعلم - أنه أراد علمني ما ينفعني بكلمات قليلة لئلا أنسى إن أكثرت علي فأجابه بلفظ يسير جامع ولو أراد علمني كلمات من الذكر ما أجابه بمثل ذلك الجواب وإنما أراد علمني بكلمات قليلة ما يكون نافعا لي‏.‏

وحدثني خلف بن قاسم قال حدثني محمد بن زكريا المقدسي ببيت المقدس قال حدثني مضر بن محمد قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني أبو إسماعيل المؤدب عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله ‏!‏ أوصني بعمل أعمله قال لا تغضب‏.‏

وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن محمد قال حدثني أحمد بن داود قال حدثني سحنون بن سعيد قال حدثني عبد الله بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ‏!‏ ما يبعدني من غضب الله قال لا تغضب وروينا عن محمد بن جحادة قال كان الشعبي من أولع الناس بهذا البيت‏:‏

ليس الأحلام في حين الرضا *** إنما الأحلام في حال الغضب

وقال غيره ‏(‏لا يعرف الحلم إلا ساعة الغضب‏)‏ وقال أبو العتاهية‏:‏

أقلب طرفي مرة بعد مرة *** لأعلم ما في الناس والقلب ينقلب

فلم أر كنزا كالقنوع لأهله *** وأن يجمل الإنسان ما عاش في الطلب

ولم أر فضلا صح إلا على التقى *** ولم أر عقلا تم إلا على أدب

ولم أر في الأعداء حين خبرتهم *** عدوا يفعل أعدى من الغضب

وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عفان قال حدثني خالد قال حدثني ضرار بن مرة أبو سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل قال لما رأى يحيى أن عيسى مفارقه قال له أوصني قال لا تغضب قال لا أستطيع قال لا تقتني مالا قال عسى‏.‏

1678- مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب وقد ذكرنا في التمهيد الاختلاف على مالك وعلى بن شهاب في إسناد هذا الحديث وأوضحنا أن الصحيح فيه ما في الموطأ وفيه دليل على أن مجاهدة النفس في صرفها عن هواها أشد محاولة وأصعب مراما وأفضل من مجاهدة العدو والله أعلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل للذي يملك نفسه عند الغضب من القوة والشدة ما ليس للذي يغلب الناس ويصرعهم وقوله عليه السلام يريد الذي يصرع الناسع ويكثر ذلك منه كما يقال للرجل الكثير النوم نومة وللكثير الحفظ حفظة وقيل للذي يكثر الضحك ضحكة وللذي يضحك الناس منه ضحكة بالتخفيف‏.‏

باب ما جاء في المهاجرة

1679- مالك عن بن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام قال أبو عمر يروى في هذا الحديث يهجر ويهاجر والمهاجرة تكون منهما والنهي مقصود به إليهما والأعراض أن يميل عنه بوجهه ويصغر خده ويوليه دبره قال الشاعر‏:‏

إذا أبصرتني أعرضت عني *** كأن الشمس من قبلي تدور

وفي الحديث رخصة في هجر المسلم لأخيه ما دون الثلاث كأنه -والله أعلم- ترك للقائه حتى تزول عنه ثورة غضبه أو نحو هذا والفضل في ذلك للمبتدأ بالسلام وقد ذكرنا في التمهيد حديثا مسندا من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أولى الناس بالله ‏(‏عز وجل‏)‏ من بدأهم بالسلام وهذا يحتمل من المهاجرين ومن غيرهم وذكرنا هناك أيضا حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث فإن مرت به ثلاث فلقيه فليسلم عليه فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر وإن لم يرد فقد باء بالإثم زاد أحمد وخرج المسلم من الهجرة‏.‏

1680- مالك عن بن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال قال مالك لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن أخيك المسلم فتدبر عنه بوجهك كذا قال يحيى يهاجر وسائر الرواة يقولون يهجر قال أبو عمر قوله لا تباغضوا نهي معناه الندب إلى رياضة النفس على التحاب لأن المحبة والبغضة لا يكاد المرء يغلب فيهما نفسه لقول الله تعالى ‏(‏لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم‏)‏ ‏[‏الأنفال 63‏]‏‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وقد تقدم حديث أبي الدرداء أن البغضة خالقة للدين لأنها تبعث على الغيبة وستر المحاسن وإظهار المساوئ وربما آلت إلى أكثر من ذلك ولا معصوم إلا من عصمه الله ‏(‏ تعالى ‏)‏‏.‏

وأما قوله فلا تحاسدوا فليس على ظاهره وإنما معناه لا يحسد أحدكم أخاه على نعمة أتاه الله وليسأل الله من فضله وقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسد في الخير فقال لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به ليله ورجل آتاه الله علما - أو قال حكمة - فهو يقضي بها ويعلمها هكذا حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل والنهار وقد ذكرنا الحديثين بأسانيدهما في التمهيد وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا حسدتم فلا تبغوا وإذا ظننتم فلا تحققوا وإذا تطيرتم فامضوا وعلى الله فتوكلوا ويقال إن الحسد لا يكاد يسلم منه أحد فمن لم يحمله حسده على البغي لم يضره حسده وروينا عن الحسن البصري أنه قال ليس أحد من ولد آدم إلا وقد خلق معه الحسد فمن لم يجاوزه إلى الظلم والبغي لم يتبعه منه شيء وقد أشبعنا هذا المعنى بالآثار عن السلف في ذم الحسد وفضل من لم يحسد الناس في باب الزهري عن أنس في التمهيد‏.‏

وأما قوله ولا تدابروا فقد مضى تفسيره لمالك وغيره في هذا الباب‏.‏

وأما قوله ولا يحل لمسلم أن يهجر أو يهاجر أخاه فهو عندي مخصوص أيضا بحديث كعب بن مالك إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يهجروه ويقطعوا الكلام عنه والسلام عليه لما أحدثه في تخلفه عن غزوة تبوك وهو قادر على الغزو وقد جعل بعض أهل العلم حديث كعب هذا أصلا في هجران أهل البدع ومن أحدث في الدين ما لم يرض والذي عندي أن من خشي من مجالسته ومكالمته الضرر في الدين أو في الدنيا والزيادة في العداوة والبغضاء فهجرانه والبعد عنه خير من قربه لأنه يحفظ عليك زلاتك ويماريك في صوابك ولا تسلم من سوء عاقبة خلطته ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية وذكر بن وهب عن مالك أنه قال إذا أسلم عليه فقد قطع الهجرة وقال أبو بكر الأثرم قلت لأحمد بن حنبل إذا سلم عليه هل يجزئه من ذلك سلامه قال ينظر إلى ما كان عليه قبل المصارمة فلا يخرجه من الهجران إلا بالعودة إلى ما كان عليه ولا يخرجه من الهجرة إلا سلام ليس معه إعراض ولا إدبار قال أبو عمر قد روي عن مالك أيضا هذا المعنى والآثار المرفوعة تشهد لما رواه بن وهب وقد تقدمت‏.‏

1681- مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا قال أبو عمر روى عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث لا يسلم منهن أحد الطيرة والظن والحسد قيل وما المخرج منهن يا رسول الله قال إذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ وروينا عن سفيان الثوري أنه قال الظن ظنان ظن فيه إثم وظن ليس فيه إثم فالظن الذي فيه الإثم ما يتكلم به والظن الذي لا إثم فيه ما لم يتكلم وروى أشهب عن نافع بن عمر عن بن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب قال لا يحل لامرئ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءا وهو يجد لها في شيء من الخير مصدرا‏.‏

وأما قوله ولا تجسسوا ولا تحسسوا فقيل معنى التجسس ومعنى التحسس سواء أو قريب من السواء وروى بن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله عز وجل ‏(‏ولا تجسسوا‏)‏ ‏[‏الحجرات 12‏]‏‏.‏

قال خذوا ما ظهر ودعوا ما ستر الله ‏(‏عز وجل‏)‏ وروى هشيم عن مجاهد عن الشعبي قال فقد عمر بن الخطاب رجلا في الصلاة فانطلق هو وعبد الرحمن بن عوف فنظرا إليه وامرأته تناوله قدحا فيه شيء فقال عمر هذا الذي حبسه عنا فقال له عبد الرحمن وما يدريك ما في القدح قال عمر أتخاف أن يكون هذا من التجسس قال عبد الرحمن بل هو التجسس قال فما التوبة من هذا قال أن لا يكون في قلبك عليه من هذا المجلس شيء أبدا وروى الأعمش عن زيد بن وهب قال أتي بن مسعود فقيل له هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال عبد الله إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذه به وروينا من حديث معاوية أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم وقال أبو الدرداء كلمة سمعها معاوية فنفعه الله بها ومن حديث المقدام بن معدي كرب وحديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الأمير إذا ابتغي الريبة في الناس أفسدهم وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في التمهيد‏.‏

1682- مالك عن عطاء بن أبي مسلم عبد الله الخرساني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء قال أبو عمر في المصافحة أحاديث حسان ذكرنا كثيرا منها في التمهيد منها ما حدثنا خلف بن قاسم قال حدثني أبو طالب محمد بن زكريا المقدسي قال حدثني جعفر بن محمد بن حماد قال حدثني آدم بن أبي إياس قال حدثني سليمان بن حيان قال حدثني الأجلح عن أبي إسحاق عن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا وروينا عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا إذا التقوا تصافحوا وقال الأسود وعلقمة من تمام التحية المصافحة وسئل الحسن البصري عن المصافحة فقال تزيد في المودة وروى بن وهب عن مالك أنه كره المصافحة والمعانقة وكان سحنون يروي هذه الرواية ويذهب إليها وقد روي عن مالك خلاف ذلك من جواز المصافحة وهو الذي عليه معنى الموطأ وعلى جواز المصافحة جماعة العلماء من السلف والخلف ما أعلم بينهم في ذلك خلافا إلا ما وصفت لك ولا يصح عن مالك إلا كراهة الالتزام والمعانقة فإنه لم يعرف ذلك من عمل الناس عندهم‏.‏ وأما المصافحة فلا‏.‏ وأما الغل فهو العداوة والحقد‏.‏

وأما قوله عليه السلام تهادوا تحابوا فقد روي مسندا حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني محمد بن بكر الحضرمي قال حدثني ضمام بن إسماعيل عن موسى بن وردان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تهادوا تحابوا ورواه يحيى بن معين عن أبي بكر عن ضمام بإسناده مثله وقد ذكرنا في التمهيد آثارا في هذا المعنى كثيرة جدا وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة كان يهدي إلى أصحابه وغيرهم وكان يقبل الهدية ويثيب عليها وقال صلى الله عليه وسلم لو أهدي إلي كراع لقبلت ولو دعيت إلى ذراع لأجبت فالهدية بما وصفنا سنة إلا أنها غير واجبة لأن العلة فيها استجلاب المودة وسل سخيمة الصدر ووجده وحقده وغلة لتعود العداوة محبة والبغضة مودة وهذا مما تكاد الفطرة تشهد به لأن النفوس جبلت عليه‏.‏

1683- مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا أنظروا هذين حتى يصطلحا‏.‏

1684- مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أنه قال تعرض أعمال الناس كل جمعة مرتين يوم الأثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال اتركوا هذين حتى يفيئا أو اركوا هذين حتى يفيئا قال أبو عمر حديث سهيل مسند صحيح حسن وفيه فضل كبير ليوم الاثنين والخميس لما يفتح الله فيهما من الرحمة لعباده والمغفرة لذنوبهم وقد ذكرنا في كتاب الصيام ما جاء في أبواب الجنة وعدتها وذكرنا في كتاب الصلاة الآثار الدالة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنا مخلوقة بعد وفي قول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‏)‏ ‏[‏النساء 48‏]‏‏.‏

وإجماع علماء المسلمين على أنه محكم لا يجوز النسخ عليه على ما يغني عن الاستدلال بأخبار الآحاد في معناه وفيه تعظيم ذنب المهاجرة والعداوة والشحناء لأهل الإيمان وهم الذين يأمنهم الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم المصدقون بوعد الله ووعيده المجتنبون لكبائر الإثم والفواحش والعبد المسلم من وصفنا حاله ومن سلم المسلمون من لسانه ويده فهؤلاء لا يحل لأحد أن يهجرهم ولا أن يبغضهم بل محبتهم دين وموالاتهم زيادة في الإيمان واليقين وفي هذا الحديث دليل على أن الذنوب بين العباد إذا تساقطوها وغفرها بعضهم لبعض أو خرج بعضهم لبعض عما لزمه منها سقطت المطالبة من الله - عز وجل - بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث حتى يصطلحا فإذا اصطلحا غفر لهما‏.‏

وأما حديث مسلم بن أبي مريم وهو موقوف عند جمهور رواة الموطأ وقد رواه بن وهب عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا وهو الصحيح لأنه لا يقال مثله بالرأي ولا يدرك بالقياس وقد ذكرنا الطرق عن بن وهب بما وصفنا في التمهيد والقول في معناه كالقول في حديث سهيل‏.‏

وأما قوله فيه أو اركوا هذين حتى يفيئا فقيل اركوا معناه اتركوا وقيل معناه أخروا هذين يقال وخر وأنظر هذا وأرج هذا وأرك هذا كل ذلك بمعنى واحد‏.‏

وأما قوله حتى يفيئا فمعناه حتى يرجعا إلى ما عليه أهل المؤاخاة والمصافاة من الأخلاء والأولياء على ما كانا عليه من قبل أن يتهاجرا والفيء الرجوع والمراجعة قال الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏فقتلوا التى تبغى حتى تفيء إلى أمر الله‏)‏ ‏[‏الحجرات 9‏]‏‏.‏ وقال في الذين يألون من نسائهم ‏(‏فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم‏)‏ ‏[‏البقرة 226‏]‏‏.‏ أي رجعوا إلى ما كانوا عليه من وطء أزواجهم وحنثوا أنفسهم في أيمانهم‏.‏

كتاب اللباس

باب ما جاء في لبس الثياب للجمال بها

1685- مالك عن زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار قال جابر فبينا أنا نازل تحت شجرة إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هلم إلى الظل قال فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت إلى غرارة لنا فالتمست فيها شيئا فوجدت فيها جرو قثاء فكسرته ثم قربته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أين لكم هذا قال فقلت خرجنا به يا رسول الله من المدينة قال جابر وعندنا صاحب لنا نجهزه يذهب يرعى ظهرنا قال فجهزته ثم أدبر يذهب في الظهر وعليه بردان له قد خلقا قال فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال أما له ثوبان غير هذين فقلت بلى يا رسول الله له ثوبان في العيبة كسوته إياهما قال فادعه فمره فليلبسهما قال فدعوته فلبسهما ثم ولى يذهب قال فقال رسو الله ما له ضرب الله عنقه أليس هذا خيرا له قال فسمعه الرجل فقال يا رسول الله في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله قال الرجل قال فقتل في سبيل الله قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد الشواهد على سماع زيد بن أسلم من جابر وذكرنا ما في هذا الحديث من معاني الآداب منها أن من السنة التجمل بالثياب لمن قدر عليها حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال حدثني محمد بن العباس الحلبي قال حدثني علي بن عبد الحميد الغضائري قال حدثني سفيان بن وكيع قال حدثني أبي عن أشعث عن بكر المزني عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني مسلم قال حدثني شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن أبيه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قشف الهيئة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لك مال قال نعم قال من أي المال قال من كل المال من الخيل والإبل والرقيق قال فإذا أتاك الله مالا فلير عليك‏.‏

1686- مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال إني لأحب أن أنظر إلى القارئ أبيض الثياب قال أبو عمر القارئ ها هنا العابد الزاهد المتقشف والقراء عندهم العباد والعلماء ولهذا كان يقال للخوارج قبل خروجهم القراء لما كانوا فيه من العبادة والاجتهاد ومن ذلك أيضا قولهم من لم يتفيأ لم يحسن يتقرأ أي يتعبد ويزهد في الدنيا فقول عمر - رضي الله عنه - في هذا الحديث يدل على أن الزهد في الدنيا والعبادة ليس بلباس الخشن الوسخ من الثياب فإن الله تعالى جميل يحب الجمال وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني يحيى بن حماد قال حدثني شعبة قال حدثني أبان بن تغلب عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان فقال رجل يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله جميل يحب الجمال الكبر من بطر الحق وغمط الناس حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أحمد بن الحسن بن إسحاق ويحيى بن الربيع بن محمد‏.‏

وحدثني وهب بن محمد بن محمود وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أبو الزنباع روح بن الفرج القطان قال حدثني سعيد بن كثير بن عفير وعبد العزيز بن يحيى المدني قالا حدثني مالك بن أنس عن بن شهاب عن إسماعيل بن محمد بن ثابت الأنصاري عن ثابت بن قيس بن شماس أنه قال يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت قال فيم قال إن الله ينهانا أن نحب أن نحمد بما لم نفعل وأجدني أحب الحمد ونهانا الله - عز وجل - عن الخيلاء وأنا امرؤ أحب الجمال ونهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا امرؤ جهر الصوت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا ثابت بن قيس أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة زاد في حديث عبد العزيز قال مالك فقتل يوم اليمامة وروينا أن عمر بن الخطاب رأى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبا غسيلا فقال له أجديد ثوبك هذا أم غسيل فقال له غسيل يا رسول الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألبس جديدا وعش حميدا وتموت شهيدا ويعطك الله قرة عين في الدنيا والآخرة‏.‏

1687- مالك عن أيوب بن أبي تميمة عن بن سيرين قال قال عمر بن الخطاب إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم جمع رجل عليه ثيابه قال أبو عمر هذا الخبر عن عمر إنما جاء في الصلاة رواه معمر عن أيوب عن بن سيرين قال قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أيصلي الرجل في الثوب الواحد قال أو كلكم يجد ثوبين حتى إذا كان في زمن عمر قام إليه رجل فقال أأصلي في ثوب واحد فقال عمر إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم جمع رجل عليه ثيابه فصلى رجل في إزار ورداء في إزار وقميص في إزار وقباء في سراويل وقميص قال وأحسبه قال في تبان ورداء في تبان وقميص في تبان وقباء ورواه سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني عن بن سيرين أن عمر بن الخطاب قال إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم قال حدثنا أحمد بن دحيم قال حدثني عبد الله بن سعيد قال حدثني أحمد بن إبراهيم قالا حدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني أبو عبيد الله قال حدثنا سفيان فذكره وروى معمر عن أيوب عن نافع قال رآني بن عمر أصلي في ثوب واحد فقال ألم أكسك ثوبين فقلت بلى قال أرأيت لو أرسلتك إلى فلان أكنت ذاهبا في هذا الثوب فقلت لا فقال الله حق من تزين له أو قال من تزينت له قال الخليل بن أحمد التبان شبه السراويل صغير تذكره العرب قال أبو عمر قول عمر - رضي الله عنه إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم وأن مخرجه على أحد الثياب في الصلاة فإنه كلام جامع في الإنفاق وفي التجمل أيضا في الصلاة وغيرها وروينا عن الحسن البصري من وجوه قال اختلف أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود في الصلاة في الثوب الواحد فقال أبي لا بأس به قد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثوب الواحد فالصلاة في الثوب الواحد جائزة وقال بن مسعود إنما كان ذلك إذ كان الناس لا يجدون الثياب فأما إذا وجدوها فالصلاة في ثوبين فقام عمر على المنبر فقال القول ما قال أبي ولم يأل بن مسعود قال أبو عمر قد أوضحنا هذا المعنى في كتاب الصلاة والحمد لله كثيرا‏.‏

وأما قوله جمع امرؤ عليه ثيابه فهذا اللفظ الخبر والمراد به الأمر كأنه قال وسعوا على أنفسكم إذا وسع الله عليكم وأجمعوا عليكم ثيابكم في الصلاة والعيدين والجمعة ونحو ذلك من المحافل ومجتمع الناس ومثل هذا قول الخطيب الواعظ ‏(‏فاتقى عبد ربه ونصح لنفسه‏)‏ أي فليتق عبد ربه ولينصح لنفسه والله أعلم‏.‏

باب ما جاء في لبس الثياب المصبغة والذهب

1688- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق والمصبوغ بالزعفران وسمعت مالكا يقول وأنا أكره أن يلبس الغلمان شيئا من الذهب لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تختم الذهب قال مالك فأنا أكرهه للرجال الكبير منهم والصغير قال مالك في الملاحف المعصفرة في البيوت للرجال وفي الأفنية قال لا أعلم من ذلك شيئا حراما وغير ذلك من اللباس أحب إلي قال أبو عمر أما لبس الثياب المصبوغة بالمعصفر والمصبوغة بالزعفران فقد اختلف السلف في لباسها للرجال فكره ذلك قوم ولم ير آخرون بذلك بأسا وممن كان يلبس المعصفر ولا يرى به بأسا عبد الله بن عمر والبراء بن عازب وطلحة بن عبيد الله وأبو جعفر محمد بن علي وإبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين وأبو وائل شقيق بن سلمة وزر بن حبيش وعلي بن حسين ونافع بن جبير بن مطعم وذلك كله في كتاب أبي بكر بن أبي شيبة بالأسانيد عنه وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني يزيد بن هارون عن هشام عن محمد بن سيرين قال كان المعصفر لباس العرب ولا أعلم شيئا هدمه في الإسلام وكان لا يرى به بأسا قال‏.‏

وحدثني أبو أسامة عن بن عون عن محمد بن سيرين أنه كان لا يرى بأسا بلباس الرجل الثوب المصبوغ بالعصفر والزعفران وهذا كله قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم في لباس المعصفر حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني شريك عن أبي إسحاق عن البراء قال ما رأيت أجمل من رسول الله صلى الله عليه وسلم مترجلا في حلة حمراء وكره بعض العراقيين لباس الزعفران للرجال لحديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن يتزعفر الرجل‏.‏

وأما الذين كرهوا المعصفر للرجال فمنهم الحسن البصري وعطاء وطاوس ومجاهد والزهري وروي ذلك عن بن عباس مرفوعا وموقوفا وفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث منها ما حدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني موسى بن معاوية‏.‏

وحدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير الحضرمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال رآنى النبي صلى الله عليه وسلم وعلي ثوب معصفر فقال ألقها فإنها ثياب الكفار وبه عن وكيع عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن حنين قال سمعت عليا - رضي الله عنه - يقول نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول نهاكم - عن لبس المعصفرة‏.‏

وحدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني أبو خالد الأحمر عن حجاج عن أبي بكر بن حفص عن أبي حنين عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تلبسوا ثوبا أحمر متوردا وبه عن أبي بكر قال حدثني محمد بن بشر قال حدثني محمد بن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية إذأخر فالتفت إلي وعلي ريطة مضرجة بالعصفر فقال ما هذا فعرفت ما كره فأتيت أهلي وهم يسجرون تنورهم فقذفتها فيه ثم أتيته من الغد فقال يا عبد الله ما فعلت الريطة فأخبرته فقال ألا كسوتها بعض أهلك فإنه لا بأس بذلك للنساء وبه عن أبي بكر قال حدثني علي بن مسهر عن يزيد بن أبي زياد عن الحسن بن سهيل عن بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المفدم قال يزيد قلت للحسن ما المفدم قال المشبع بالعصفر قال أبو عمر هو الحسن بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف أبو عبد الحميد بن سهل وبه عن أبي بكر قال حدثني محمد بن عبد الله الأسدي عن عبيد الله بن عبد الرحمن قال حدثني عمي عن أبي هريرة عن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعصفر‏.‏

وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن يونس قال حدثني بقي قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية عن أيوب عن تميم الخزاعي قال حدثتنا عجوز لنا قالت كنت أرى بن عمر إذا رأى على رجل ثوبا معصفرا ضربه وقال ذروا هذه البراقات للنساء وبه عن أبي بكر قال حدثني وكيع عن فضيل عن نافع أن بن عمر رأى على بن له معصفرا فنهاه وبه عن أبي بكر قال حدثني بن علية عن ليث عن عطاء عن بن طاوس ومجاهد أنهم كانوا يكرهون التضريج فما فوقه للرجال وبه عن أبي بكر قال حدثني عبد الأعلى عن معمر عن الزهري أنه كان يكره المعصفرة للرجال قال أبو عمر اختلف في لباس المعصفر عن بن عمر وأكثر أهل المدينة يرخصون فيه كما قال مالك ولم يكرهه عمر بن الخطاب ولا أنكره على طلحة بن عبيد الله إلا في الإحرام والله أعلم وما أظن عامة المسلمين من الرجال تركوا لباس المعصفر إلا على الأصل الذي ذكرنا من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم - والله أعلم‏.‏

وأما التختم بالذهب فلا أعلم أحدا من أئمة الفتوى أجاز ذلك للرجال وكلهم يكرهونه لذكور الصبيان لأن الآباء متعبدون فيهم والأصل في ذلك نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تختم الرجال رواه مالك عن نافع عن إبراهيم عن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن لبس القسي والمعصفر وعن تختم الذهب وعن قراءة القرآن في الركوع وقد ذكرنا في التمهيد الاختلاف على نافع وعلى إبراهيم بن عبد الله بن حنين في إسناد هذا الحديث وذكرنا طرقه عن علي من غير هذا الإسناد وذكرنا الاختلاف في لفظه عن رواته عن علي - رضي الله عنه فإن بعض رواته يقول فيه عن علي نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول نهاكم وكل ذلك مذكور في التمهيد وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن التختم بالذهب من وجوه غير حديث علي - رضي الله عنه منها حديث عائشة - رضي الله عنها - وحديث البراء حدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني علي بن مسهر عن الشيباني عن أشعث بن أبي الشعثاء عن معاوية بن سويد عن البراء قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحرير والذهب هذان حرام على ذكور أمتي حلال لإناثهم وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد فإن قيل إن السلف قد اختلفوا في التختم في الذهب وليس في اتفاق فقهاء الأمصار حجة مع الاختلاف عن من قبلهم قيل الحجة في ذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى الرجال عن لباس الحرير والذهب ومعلوم أن التختم من اللباس وقد جاء عنه نص النهي عن التختم بالذهب وأجمعوا أنه للنساء مباح فلم يبق إلا الرجال ولما كان على الآباء فرضا منع أبنائهم مما حرم الله عليهم من أكل الخنزير والخمر والدم فكذلك سائر المحرمات وسائر المكروهات وممن روي عنه كراهة التختم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وبن عباس وعائشة وأم سلمة كرهتاه للرجال وسعيد بن جبير وإبراهيم ومحمد بن علي بن حسين والحسن وبن سيرين وروينا الرخصة في التختم بالفضة للرجل عن البراء بن عازب وهو عندي مرفوع عنه بما روينا في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن التختم بالذهب وحذيفة بن اليمان وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وجابر بن سمرة وعبد الله بن يزيد الخطمي وأبي أسيد وأنس بن مالك وإبراهيم التيمي كل هؤلاء روي عنهم في كتاب بن أبي شيبة أنهم كانوا يختتمون بالذهب وفي الأسانيد عنهم ضعف والحجة في السنة لا في ما خالفها وبالله التوفيق حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن إدريس عن يزيد بن أبي زياد عن أبي سعيد عن أبي الكنود قال أصبت عظيما من عظمائهم يوم مهران فأصبت عليه خاتم ذهب فلبسته قرآه علي بن مسعود فتناوله فوضعه بين ضرسين من أضراسه فكسره ثم رمى به إلي ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن خاتم الذهب‏.‏

وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني علي بن مسهر عن يزيد عن الحسن بن سهل عن بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب‏.‏

باب ما جاء في لبس الخز

1689- مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت عائشة تلبسه قال أبو عمر لبس الخز جماعة من الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين فمن الصحابة بن عباس وأبو قتادة وعبد الله بن أبي أوفى وأبو هريرة وعبد الله بن الزبير والحسين بن علي وذكر وكيع عن إسماعيل عن حكيم بن جبير عن خيثمة أن ثلاثة عشر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يلبسون الخز وعن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال كان لأبي بكر مطرف خز سداؤه حرير فكان يلبسه ومن التابعين عبد الرحمن بن أبي ليلى والأحنف بن قيس وقيس بن أبي حازم وشبيل بن عوف وشريح والشعبي وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود وعلي بن الحسين وابنه أبو جعفر محمد بن علي بن حسين وعروة بن الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وعمر بن عبد العزيز أيام إمارته وهذا كله من كتاب أبي بكر بن أبي شيبة بالأسانيد عنه واختلف عن سعد بن أبي وقاص في لبس الخز فروي عنه أنه كان يلبسه وروي عنه أنه كرهه وكان مالك بن أنس ربما لبس الخز ذكره عنه جماعة من أصحابه أنه كان يلبس الخز‏.‏

وأما الذين كانوا يكرهون لباس الخز منهم سالم بن عبد الله والحسن ومحمد بن سيرين وكان سعيد بن المسيب لا يلبسه ولا ينهى عنه وذكر أبو بكر قال حدثني وكيع عن عيينة بن عبد الرحمن عن علي بن زيد قال جلست إلى سعيد بن المسيب وعلي جبة خز فأخذ بكم جبتي فقال ما أجود جبتك هذه ‏!‏ قلت وما تعني وقد أفسدوها علي قال ومن أفسدها قلت سالم فقال إذا صلح قلبك فالبس ما بدا لك قال فذكرت قوله للحسن فقال إن من صلاح القلب ترك الخز وقال أبو بكر حدثني يزيد بن هارون عن بن عون عن محمد قال كانوا يلبسون الخز ويكرهونه ويرجون رحمة الله ‏(‏عز وجل‏)‏ قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء أن ما كان سداؤه ولحمته حرير لا يجوز لباسه للرجال وكان عبد الله بن عمر يكره قليل الحرير وكثيره وكان لا يلبس الخز وسنذكر هذا المعنى في باب لبس الثياب من هذا الكتاب عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة عطارد إنما يلبس هذه من لا خلاق لهم إن شاء الله عز وجل‏.‏